تحدثت الأسبوع الماضي في هذا المكان عن النظافة المفقودة في موسم الحج، وعن عشرات الآلاف من المسلمين، رجالا ونساء وأطفالا، ممن لا يجدون مأوى لهم ولا مكان يمكثون فيه باحترام خلال الأيام التي يؤدون فيها فريضة الحج، فيقضونها في الشوارع ووسط القاذورات وبين صناديق القمامة. وهذا الأسبوع سوف أتطرق إلى أمر آخر من أمور الحج لا يقل أهمية وخطورة عن أمر فقدان أدنى درجات النظافة والحماية الصحية، وهو وسائل النقل وطرق وأساليب تنقل الحجاج بين أماكن أداء الشعائر وهي مكة، منى، عرفات، ومزدلفة. إن الحديث عن وسائل النقل أمر مخجل، ولا يقل خجلا ومرارة عن الحديث عن ضياع كل مبادئ النظافة في موسم الحج. فيكفي أولا أن نعرف أن الحجاج، وهم الذين نطلق عليهم "ضيوف الرحمن"، يعيشون رحلة عذاب وألم بسبب وسائل النقل والتنقل بين مناطق لا تبعد عن بعضها بعضاً كيلومترات تعد على أصابع اليد الواحدة!.. ويكفي أيضا أن نعرف أن الانتقال من مكة إلى منى مثلا يوم الثامن من ذي الحجة (يوم التروية)، وهي مسافة لا تزيد على 15 كيلومترا على أكثر تقدير، قد تستغرق ما بين 4 إلى 6 ساعات في أحسن الأحوال وما بين 6 إلى 9 ساعات في الغالب!.. ويكفي أن نعرف ثالثا أن الانتقال ما بين منى وعرفات ومزدلفة وبالعكس في صبيحة يوم الوقفة واليوم الأول للعيد (يوم النحر)، حيث ينتقل الحجاج من عرفات إلى مزدلفة، عبر مسافة لا تزيد على سبعة كيلومترات تقريبا، يستغرق أكثر من 7 ساعات في أفضل الأحوال، أي أن وسائل التنقل تقطع كيلومترا واحدا في الساعة، وهي سرعة أبطأ بكثير من حركة سلحفاة تحتضر عمرها 300 عام.. إن الاعتماد على الحافلات في نقل الحجاج هو أسلوب متخلف يضاعف المشقة والمعاناة على المسلمين، والحل سهل وبسيط ولا يحتاج إلى عبقرية فذة، ويتمثل في إنشاء شبكة ضخمة من خطوط السكك الحديدية المتطورة وخطوط أخرى للقطارات الأرضية "أندر جراوند" وشبكة للترامات وفتح عشرة أنفاق في الجبال التي تربط بين العزيزية ومنى لتسهيل نقل الحجاج بين الأماكن المقدسة. إن وجود مليوني شخص لا يشكل معضلة على الإطلاق لو أن هناك نظاماً سهلاً ومتطوراً للمواصلات يعتمد على القطارات الأرضية والعلوية والترامات.. فمدينة مثل نيويوك على سبيل المثال يدخلها يوميا سبعة ملايين نسمة وحوالى أربعة ملايين سيارة، وعلى رغم ذلك فإننا لم نسمع يوما عن أي تأخير أو تكدس أو زحام كالفوضى التي تحصل في مواسم حج المسلمين، علما بأن أعداد المسلمين إلى الديار المقدسة في خمسة أيام لا تزيد على ثلث عدد البشر الذين يدخلون نيويورك في يوم واحد فقط! وفي مدن كبرى مثل لندن وباريس وفرانكفورت وميونيخ وسان فرانسيسكو مثلا، تنقل شبكات القطارت و"الأندر جراوند" ما بين 4 إلى 6 ملايين نسمة يوميا لكل مدينة، علما بأن مساحات تلك المدن والمسافات التي تنقل خلالها هذه الشبكات الملايين من البشر تقل بكثير عن المساحة الإجمالية للمدن والأماكن المقدسة في ديار المسلمين. وشبكة القطارات الأرضية في مدينة مثل طوكيو تنقل حوالى عشرة ملايين نسمة على مدار الأربع والعشرين ساعة يوميا، ومع ذلك لم نسمع بما نسمعه عن الدمار الذي يواجه حجاج بيت الله الحرام في مواسم الحج؟!